وإذا قلت: هو مني مقعد القابلة من النفساء، وهو مني معقد الإزار من المؤتزر، وهو مني منزلة الولد من أبيه، وهو مني منزلة الشغاف من القلب، وهو مني مقعد رابئ الضرباء من الضرباء، وهو مني مناط الثريا من الدبران، وهو مني مزجر الكلب من الزاجر - فجميع ذلك تتعلق فيه "من" الأولى بالظرف لما تضمنه من معنى الفعل لوقوعه موقع الخبر؛ أي: هو كائن مني. وتتعلق "من" الثانية بنفس اسم المكان لما فيه من الدلالة على الفعل الذي اشتق منه. وجاز أن تتعلق "من" الثانية باسم المكان لأن المجرور يعمل فيه اللفظ بما يتحمله من معنى الفعل، ومن ذلك قوله:
ما أمك اجتاحت المنايا كل فؤادٍ عليك أم
فتعلق "عليك" بما في "أم" من معنى الفعل؛ إذ المعنى: كل فؤاد عليك مُشفق.
فلو كان بعد اسم المكان مفعول به لم يعمل فيه، ولذلك جعل الفارسي مجرًا من قول النابغة:
كأن مجر الرامسات ذيولها عليه حصيرٌ، نمقته الصوانع
على حذف مضاف، أي: كأن موضع جر الرامسات ذُيولها.