فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} وقول الشاعر:
وتركي بلادي, والحوادث جمة طريدًا, وقدما كنت غير مطرد"
انتهى.
وما اختاره في "كان" وادعاه فيها وفي الأفعال أن الفعل الماضي يدل على وقوعه فيما مضى من غير دلالة على الانقطاع ليس هو الصحيح عند أصحابنا.
قال أصحابنا: "اختلف النحاة في "كان" هذه, هل تقتضي الانقطاع أو لا تقتضيه؟ فأكثرهم على أنها تقتضي الانقطاع, وأنك إذا قلت: "كان زيد قائمًا" فإن قيام زيد كان فيما مضى, وليس الآن بقاتم, وهذا هو الصحيح بدليل أن العرب إذا تعجبت من صفة هي موجودة في المتعجب منه في الحال قالت: ما أحسن زيدًا! فإذا تعجبت من الحسن فيما مضى, وهو الآن ليس كذلك, قالت: ما كان أحسن زيدًا!
وزعم بعضهم أنها لا تقتضي الانقطاع, واستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} , {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} أي: كان الآن كذلك.
قالوا: والجواب أن ذلك قد يتصور فيه الانقطاع بأن يكون المراد الإخبار بأنه غفورًا رحيمًا فيما مضى كما هو الآن كذلك, وبمعنى أنه كان فاحشًة, أي: كان عندكم فاحشًة في الجاهلية, ولم يتعرض لخلاف ذلك, فيكون المراد الإخبار عن الزنى كيف كان عندهم في الجاهلية".