سابور عنوة، وقتل الضيزن يومئذ، وأباد بني العبيد قبيلته الدنيا، وأفنى قضاعة الذين كانوا معه، واحتمل النضيرة بنت الضيزن فأعرس بها بعين التمر، فلم تزل ليلتها تتضوّر من حشيّة في فراشها، وهي من حرير محشوّة بالقزّ. فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هو ورقة آس ملتصقة بعكنة من عكنها قد أثّرت فيها. قال:
وكان ينظر إلى مخّها من لين بشرتها. فقال لها سابور: ويحك بأيّ شيء كان أبوك يغذوك؟ [1] قالت: بالزبد والمخّ وشهد الأبكار من النحل وصفوة الخمر، فقال: وأبيك لأنا أحدث عهدا بمعرفتك وأوتر لك في أبيك الذي غذاك بما تذكرين. فكان عاقبة غدرها بأبيها وعشيرتها أنّ سابور غدر بها، فأمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه ثم استركضه فقطّعها قطعا.
«54» وتقول العرب أيضا: جزاني جزاء سنمّار، وهو بنّاء غدر به النعمان ابن الشقيقة اللخمي، والشقيقة أمه، وهو الذي ساح وتنصّر. وكان من حديث غدره بسنمّار أنّ يزدجرد بن سابور كان لا يعيش له ولد، فسأل عن منزل صحيح مريء فدلّ على ظهر الحيرة، فدفع ابنه بهرام جور إلى النعمان هذا، وهو عامله على أرض العرب، وأمره أن يبني الخورنق مسكنا له ولا بنه، وينزله إيّاه، وأمره بإخراجه إلى وادي العرب. وكان الذي بنى الخورنق رجل يقال له سنمّار، فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله فقال: لو علمت أنكم توفّوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقّه لبنيته بناء يدور مع الشمس حيث دارت، فقالوا:
وإنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه؟ ثم أمر به فطرح من أعلى الجوسق.