عينا الرشيد وقال لها: أتحبّين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين لقد عرضت عليّ ما يقصّر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد بعد سيدي فينتفع بي، فازداد رقّة عليها وقال: غنّي صوتا آخر فغنّت: [من البسيط]
العين تظهر كتماني وتبديه ... والقلب يكتم ما ضمّنته فيه
فكيف ينكتم المكنون بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه
فأمر بأن تبتاع وتعتق، ولم يزل يجري عليها الى ان مات.
«53» - ويروى في أخبار العرب أنّ الضّيزن بن معاوية من قضاعة كان ملكا ما بين دجلة والفرات، وكان له هناك قصر مشيد يعرف بالحضر حيال تكريت، وملك الجزيرة وبلغ ملكه الشام، فأغار فأصاب أختا لسابور ذي الأكتاف، وفتح مدينة بهرسير [1] وقتل فيهم. قالوا: ثم إنّ سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم، فأقام على الحصن أربع سنين لا يصل منهم إلى شيء، ثم إنّ النضيرة بنت الضّيزن عركت، أي حاضت، فأخرجت إلى الرّبض، وكانت من أجمل أهل دهرها، وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن، وكان سابور من أجمل أهل زمانه، فرآها ورأته فعشقته وعشقها، فأرسلت إليه: ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي؟ قال: حكمك، وأرفعك على نسائي، وأخصّك بنفسي دونهنّ، قالت: عليك بحمامة مطوّقة ورقاء، فاكتب في رجلها بحيض جارية زرقاء، ثم أرسلها فإنها تقع على حائط المدينة فتتداعى المدينة، وكان ذلك طلّسمها لا يهدمها إلا هو. ففعل وتأهّب لهم، وقالت: أنا أسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم وادخل المدينة. ففعل، فتداعت المدينة وفتحها