فقالت له سلمى: إني قد استخرت الله تعالى ورضيت بعهدك، فأطلقته ورجعت إلى بيتها، فخالفها أبو محجن إلى الفرس فأخذها وأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق، فركبها ثم دبّ عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة، وأضاء النهار وتصافّ الناس كبّر ثم حمل على الميسرة يلعب برمحه وسلاحه [1] بين الصفّين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فبدر أمام الناس فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا، فعجب الناس منه [2] وهم لا يعرفونه، ولم يروه بالأمس، فقال بعض القوم: هذا من أوائل أصحاب هاشم بن عتبة أو هشام [3] ، وقال قوم: إن كان الخضر شهد الحرب فهو صاحب البلقاء، وقال آخرون: لولا أن الملائكة لا تباشر القتال ظاهرا لقلنا هذا ملك بيننا، وجعل سعد يقول، وهو مشرف ينظر إليه: الطعن طعن أبي محجن، والضبر ضبر البلقاء، لولا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبو محجن، وهذه البلقاء، فلم يزل يقاتل حتى انتصف الليل وتحاجز أهل العسكرين، وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر ووضع عن نفسه وعن دابته، وأعاد رجليه في قيده وأنشأ يقول: [من الوافر]
لقد علمت ثقيف غير فخر ... بأنا نحن أكرمهم سيوفا
وأكثرهم دروعا سابغات ... وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
وأنا رفدهم في كلّ يوم ... وان جحدوا فسل بهم عريفا
وليلة فارس [4] لم يشعروا بي ... ولم أكره لمخرجي الزّحوفا
فإن أحبس فقد عرفوا بلائي ... وان أطلق أجرّعهم حتوفا
فقالت له سلمى: يا أبا محجن في أيّ شيء حبسك هذا الرجل؟ فقال: