أما والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية، وأنا امرؤ شاعر يدبّ الشعر على لساني فينفثه أحيانا، فحبسني لأني قلت: [من الطويل]
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... يروّي مشاشي بعد موتي عروقها
ولا تدفنّني بالفلاة فانني ... إذا رحت مدفونا فلست أذوقها [1]
قال: وكانت سلمى قد رأت من المسلمين جولة، وسعد بن أبي وقاص في القصر لعلة كانت به لم يقدر معها على حضور الحرب، وكانت قبله عند المثنّى بن حارثة الشيبانيّ فلما قتل خلف عليها سعد، فلما رأت شدة البأس صاحت: وامثّنياه ولا مثنّى لي اليوم، فلطمها سعد، فقالت: أفّ لك أجبنا وغيرة؟ وكانت مغاضبة لسعد عشية ارماث وليلة الهرير وليلة السواد، حتى إذا أصبحت أتته وصالحته وأخبرته خبر أبي محجن، فدعا به وأطلقه وقال: اذهب فلست مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، فقال: لا جرم والله لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبدا، وذلك قول أبي محجن: [من البسيط]
إن كانت الخمر قد عزّت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج
فقد أباكرها صرفا وأشربها ... ريا وامزج أحيانا فامتزج
ولما انصرف أبو محجن إلى محبسه [2] رأته امرأته منصرفا فعيرته بفراره، فقالت له [3] : [من الكامل]
من فارس كره الطّعان يعيرني ... رمحا إذا نزلوا بمرج الصّفّر
فقال لها أبو محجن: [من الكامل]
إن الكرام على الجياد مبيتها ... فدعي الرماح لأهلها وتعطّري