ووجد الدنيا خرابا فعمرها بالعدل، حتى صار دخل المملكة يزيد على الخرج في كلّ سنة ألف ألف دينار، بعد الخرج والنفقات على التمام والكمال، واستيفاء الجيوش وسائر المرتزقة جاريهم على الإدرار من غير مطالبة او إذكار بسببه، وكان هذا الفاضل في بيت مال الخاصّة لا ينفق منه شيء البتة، ولا يحتاج إليه في وجه من الوجوه، وأخّر النوروز إلى أحد عشر يوما من حزيران حيث تتكامل جميع الغلّات الشتوية والثمار، فيأخذ الخراج في أوانه من غير إضرار بتقديمه، وأمر بالزيادة في المسجد الجامع بمدينة أبي جعفر، وأمر بتسهيل عقبة حلوان وقال: هذا طريق الملك. فسهّلت إلى الموضع المعروف بدهليزان، وأنفق عليها عشرون ألف دينار، وأمر بردّ المواريث على ذوي الأرحام، ولما أراد بناء قصره بالشمّاسية بأعلى بغداد، استزاد في الذّرع بعد أن فرغ من تقدير جميع ما أراده للقصر، فسئل عما يريد ذلك له، فذكر أنه يريده ليبني فيه دورا ومساكن ومقاصير، يرتّب في كلّ موضع منها رؤساء كلّ صناعة ومذهب، من كلّ مذاهب العلوم النظريّة والعملية، ويجري عليه الأرزاق السنيّة، ليقصد كلّ من اختار علما أو صناعة رئيس ما يختاره فيأخذ عنه. ولو مدّ له في العمر حتى يفعل هذا، لظهر فضل هذه الأمة على سائر الأمم، ولكن حالت المنية دون الأمنية، ولله أمر هو بالغه وهو أعرف بمصالح عباده.
[1162]- وكان عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد من العقلاء ورجال التدبير. قال علي بن عيسى بن داود بن الجراح: دخلنا إليه لما فتح هو وبدر المشرق، وفتح المعتضد والقاسم بن عبيد الله معه ديار بكر، وذلك في آخر سنة ستّ وثمانين ومائتين، وكنت أنا وعمّي محمّد بن داود والقاسم، فجعل القاسم ونحن بعده نهنّىء عبيد الله باستمرار الصلاح في جميع البلاد، وسكون النفوس، وسقوط جميع الأعداء في أقطار المملكة، قال: وعبيد الله يسمع وهو مطرق، ثم رفع طرفه وجعل ينظر إلى ابنه القاسم نظر متعجب، ثم