قال: الساعة والله يا بنيّ وقعنا نحن في الشّغل والخوف، لأنّ عادة هؤلاء القوم، يعني الخلفاء، إذا خلص لهم الملك وانتظم، الفكر في أقرب الناس منهم والإقدام على الإيقاع بهم وهم الوزراء، وحقّ الوزير أبدا أن يشغل قلب سلطانه بالشيء بعد الشيء يلقيه إليه مما يحذره ويخشى سوء عاقبته، فتدعوه الضرورة عند ذلك إلى اتصال الفكر فيه والاعتماد على وزيره في تلافيه، فإذا خلا من ذلك صرف همّه وفكره إلى الأقرب فالأقرب منه، فلم تؤمن بادرته ولم يسلم من معرّته وتغيير أمره وملالته، إما ضجرا باتصال خدمته وطول معاملته، وإما طمعا في ماله وحاله وشرها إلى نعمته. قال: فورد على القاسم من قول أبيه وعلينا ما علمنا أنّه قال الحقّ، مع ممارسته للأمور، وما شوهد ونقل من الأخبار في ذلك.

[1163]- وقال المحسّن بن علي بن محمد بن الفرات، قال لي أبي: يا بنيّ إن خدمت هؤلاء الخلفاء، فلا تترك حالا تقدر عليها في إزعاجهم وإرهابهم إلّا اجتلبتها وأوردت خبرها عليهم، حتى يكون قلب من تخدمه أبدا مشغولا منخوبا غير مفكر فيك، فإنه إذا فرغ قلبه مما يتخوّفه عاد بالمكروه عليك وانصرف به إليك ولم يفكّر إلا فيك.

[1164]- لما أسرف الحجاج في القتل بالعراق وإعطاء أصحابه الأموال، كتب إليه عبد الملك بن مروان: أما بعد فقد بلغني سرفك في الدماء وتبذير الأموال، ولا أحتمل هاتين لأحد من الناس، وقد حكمت عليك في الدّم بالقود في العمد، والدّية في الخطأ، وأن تردّ الأموال إلى مواضعها، فإنما المال مال الله ونحن أمناؤه، وسيّان منع حقّ وإعطاء باطل، فلا يؤمّننك إلا الطاعة ولا يخيفنّك إلا المعصية، وكتب في أسفل كتابه: [من الطويل] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015