فلما كان اليوم الثالث بعث إليه وفعل مثل فعله بالأمس، فقال له يحيى:
ما لك أيضا؟ قال: يا أبا عثمان، ليس هذا هو الصوت الذي أردت، فقال له: لست أعلم ما في نفسك فاذكره وأنا عليّ أن أذكر ما فيه زينب من الغناء كما التمست حتى لا يبقى عندي زينب ألبتّة إلا أحضرتها، قال: هات على اسم الله تعالى. قال: اذكر العوض؛ قال: ما شئت، قال: هذه الدرّاعة الوشي التي عليك، فأخذها، قال: والخمسين الدرهم؟ فأحضرها وألقى عليه: [من الطويل]
لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوّا إذا النجم ارجحنّت لواحقه
فأخذه منه ومضى إلى إبراهيم فصادفه يشرب مع الحرم، فقال له حاجبه: هو يتشاغل؛ فقال له: قل له قد جئتك بحاجتك؛ فقال: يدخل فيغنّيه في الدار وهو قائم، فإن كان هو، وإلا فليخرج. فدخل فغنّاه، فقال لا والله ما هذا هو، فعاود الاحتيال ففعل مثل ذلك، فقال له يحيى وهو يضحك: ما ظفرت بزينبك بعد؟ فقال: لا والله يا أبا عثمان، وما أشكّ بأنّك تتعمّدني بالمنع فيما أريده وقد أخذت كلّ شيء عندي مغابنة، فضحك يحيى ثم قال: قد استحييت منك الآن، وأنا أناصحك على شريطة، قال: نعم، قل الشريطة؛ قال: لا تلمني أن أغابنك، لأنّك أخذت في مغابنتي، والمطلوب إليه أقدر من الطالب، فلا تعاود أن تحتال عليّ، فإنّك لا تظفر منّي بما تريد، إنّما دسّك إبراهيم بن المهديّ عليّ ليأخذ صوتا غنّيته وسألني إعادته فمنعته بخلا عليه، لأنّه لا يلحقني منه خير ولا بركة، يريد أن يأخذ غنائي باطلا، وطمع بموضعك أن تأخذ الصوت بلا ثمن ولا حمد، لا والله إلا بأوفر الأثمان، وبعد اعترافك؛ وإلا فلا تطمع في الصوت فقال: أما إذا فطنت، فالأمر والله على ما قلت، فتغنّيه الآن بعينه على شرط وإن كان هو وإلا فعليك اعادته بعينه، ولو غنيتني في كلّ شيء تعرفه ولم أحتسب لك إلا به؛ قال: اشتره، فتساوما طويلا وماكسه المارقيّ حتى بلغ ألف