فلما تغدّوا وضع النبيذ فقال له المارقيّ: إني سمعتك تغنّي صوتا فيه ذكر زينب، وأنا أحبّ أن آخذه منك، وكان يحيى يوفي هذا الشأن حقّه من الاستقصاء، فلا يخرج إلا بحذر، ولا يدع الطلب والمسألة، ولا يلقي صوتا إلا بعوض، فقال له يحيى: وأيّ شيء العوض إذا ألقيت عليك هذا الصوت؟ قال: ما تريد؟ قال:
هذه الزّلّيّة الأرمنيّة، أما آن لك أن تملّها؟ قال: بلى، هي لك، قال: وهذه الطنافس الخرّميّة، أنا مكيّ لا أنت وأنا أولى بها منك، قال: هي لك، وأمر بحملها معه، فلما حصلت له قال له المارقيّ: يا غلام، هات العود، قال يحيى:
والميزان والدراهم؛ وكان يحيى لا يغنّي أو يأخذ خمسين درهما، فأعطاه إيّاه، فألقى عليه: [من الطويل]
بزينب ألمم قبل أن يظعن الرّكب
فلم يشكّ المارقيّ في أنه قد أدرك حاجته، فبكّر إلى إبراهيم فقال له: قد جئت بالحاجة، فدعا بالعود فغنّاه إيّاه، فقال له: لا والله ما هو هذا، وقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. قال زرزور: فبعثني إليه وبعث معي خمسين درهما، فلما دخل عليه وأكلا وشربا قال له يحيى: قد واليت بين دعواتك ولم تكن برّا وصولا، فما هذا؟ قال: لا شيء والله إلا محبّتي للأخذ عنك والاقتباس منك.
فقال له: برّك الله! تذكّرت الصوت الذي سألتك إيّاه فإذا هو غير الذي ألقيته عليّ، فقال: تريد ماذا؟ قال: تذكّر الصوت، فغنّاه: [من البسيط]
ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا
فقال له: نعم فديتك يا أبا عثمان هذا هو فألقه عليّ، قال: العوض؛ قال: قل؛ قال: هذا المطرف الأسود، قال: هو لك، فأخذه وألقى عليه هذا الصوت حتى استوى له، وبكّر إلى إبراهيم فقال له: ما وراءك؟ قال: قد قضيت حاجتك، ودعا بالعود فغنّاه إيّاه، فقال: خدعك والله وليس هذا هو، فأعد الاحتيال عليه، وكلّ ما تعطيه إيّاه فألزمني به.