إسحاق معارضته بعد ذلك، وحذره يحيى؛ فكان إذا سئل عن شيء بحضرته صدق فيه، وإذا غاب إسحاق خلّط فيما يسأل عنه.
قال: وكان يحيى إذا صار إليه إسحاق يطلب شيئا أعطاه إيّاه، ثم يقول لابنه أحمد: تعال حتى تأخذ مع أبي محمد ما الله يعلم أني أبخل به عليك فضلا عن غيرك، فيأخذه أحمد مع إسحاق عن أبيه.
«75» - وقال إسحاق يوما للرشيد قبل أن تصلح الحال بينه وبين يحيى المكّي: أتحبّ يا أمير المؤمنين أن أظهر لك كذب يحيى فيما ينسبه من الغناء؟
قال: نعم؛ قال: أعطني أيّ شعر شئت حتى أصنع فيه لحنا، وسلني بحضرته عن نسبه، فإني سأنسبه إلى رجل لا أصل له، وسل يحيى عنه إذا غنّيته، فإنه لا يمتنع من أن يدّعي معرفته. فأعطاه شعرا وصنع فيه لحنا وغنّاه الرشيد، ثم قال له: يسألني أمير المؤمنين عن نسبه بين يديه. فلمّا حضر يحيى غنّاه إسحاق، فسأله الرشيد: لمن هذا اللحن؟ فقال له إسحاق: لغناديس المدني، فقال له يحيى: نعم قد لقيته وأخذت عنه صوتين، ثم غنّى صوتا وقال: هذا أحدهما.
فلما خرج يحيى حلف إسحاق بالطلاق ثلاثا وعتق جواريه أنّ الله تعالى ما خلق أحدا اسمه غناديس ولا سمع به في المغّنين ولا غيرهم، وأنه وضع ذلك الاسم في وقته ليكشف أمره.
«76» - قال علي بن المارقيّ: قال لي إبراهيم بن المهديّ: ويلك يا مارقيّ! إنّ يحيى المكيّ غنّى البارحة بحضرة أمير المؤمنين صوتا فيه ذكر زينب، وقد كان النبيذ أخذ منّي، فأنسيت شعره، فاستعدته إيّاه فلم يعده، فاحتل لي عليه حتى تأخذه منه، ولك عليّ سبق. قال زرزور مولاه: فقال لي المارقيّ وأنا يومئذ غلام: إذهب إليه فقل له إني أسأله أن يكون اليوم عندي. فمضيت إليه فحيّيته، 4 التذكرة الحمدونية 9