قوله، ولا يثبت لمباراته أحد، ولا يقوم لمعارضته ولا يفي بها، حتى نشأ إسحاق وضبط الغناء وأخذه من مظانّه ودوّنه، وكشف عوار يحيى في منحولاته وبيّنها للناس.

«74» - قال أحمد بن سعيد المالكي- وكان مغنّيا منقطعا إلى طاهر وولده- وكان من القوّاد: حضرت يحيى المكيّ يوما وقد غنّى صوتا فسئل عنه، فقال: هذا لمالك، ثم غنّى لحنا لمالك، فسئل عنه فقال: هذا لي، فقال له إسحاق الموصليّ:

قلت ماذا؟ فديتك! وتضاحك به. فسئل عن صانعه، فأخبر به وغنّى الصوت، فخجل يحيى، وأمسك عنه ثم غنّى بعد ساعة في الثقيل الأوّل، واللّحن له:

[من الكامل المرفّل]

إنّ الخليط أجدّ فاحتملا ... وأراد غيظك بالذي فعلا

فسئل عنه، فنسبه إلى الغريض، فقال له إسحاق: يا أبا سليمان ليس هذا من نمط الغريض، ولا تفنّنه في الغناء، فلو شئت لأخذت ما لك، وتركت للغريض ما له، ولم تتعب، فاستحيى يحيى ولم ينتفع بنفسه بقيّة يومه. فلما انصرف بعث إلى إسحاق بلطائف كثيرة وبرّ واسع وكتب إليه يعاتبه ويستكفّ شرّه ويقول له: لست من أقرانك فتضادّ لي، ولا ممّن يتصدّى لمباغضتك ومباراتك فتكايدني، وأنت إلى أن أفيدك وأعطيك ما تعلم أنّك لا تجده إلا عندي فتسمو به على أكفائك أحوج منك إلى أن تباغضني فأعطي غيرك سلاحا إذا حمله عليك لم تقم له، وأنت وما تختاره. فعرف إسحاق صدق يحيى فكتب إليه يعتذر وردّ الألطاف التي حملها إليه، وحلف أن لا يعارضه بعدها، وشرط عليه الوفاء بما وعده به من الفوائد، فوفّى له بها، وأخذ منه كلّ ما أراد من غناء المتقدّمين.

وكان إذا حزبه أمر في شيء منها فزع إليه فأعاده وعاونه ونصحه، وما عاود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015