وكان حين أحبّ المأمون السماع سأل عني، فخرجت بحضرته وقال الطاعن عليّ: ما يقول أمير المؤمنين في رجل يتيه على الخلفاء؟ فقال: ما أبقى هذا من التّيه شيئا إلا استعمله. فأمسك عن ذكري، وجفاني من كان يصلني لسوء رأيه الذي ظهر فيّ فأضرّ ذلك بي، حتى جاءني علّويه يوما فقال لي:
أتأذن لي في ذكرك، فإنا قد دعينا اليوم؟ فقلت: لا، ولكن غنّه بهذا الشّعر، فإنه يبعثه على أن يسألك: لمن هذا؟ فإذا سألك انفتح لك باب ما تريد، وكان الجواب أسهل عليك من الابتداء. فقال: هات، فألقيت عليه لحني في شعر عمر [1] : [من البسيط]
يا سرحة الماء قد سدّت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود
لحائم حام حتى لا حياة له ... محلّأ عن زلال الماء مطرود
قال فمضى علّويه، فلما استقرّ به المجلس غنّاه بالشعر، فقال: ويلك يا علّويه! لمن هذا الشعر؟ قال: يا سيّدي، لعبد من عبيدك، جفوته واطّرحته من غير ذنب، فقال: إسحاق تعني؟ قال: نعم، قال: تحضره الساعة.
فجاءني رسوله، فصرت إليه، فلما دخلت عليه قال: ادن، فدنوت منه فرفع يديه مادّهما، فأكببت عليه فاحتضنني بيديه، وأظهر من برّي وإكرامي ما لو أظهره صديق مؤانس لصديق لسرّه.
«66» - أبو نواس: [من الوافر]
جريت مع الصبّا طلق الجموح ... وهان عليّ مأثور القبيح
جدت ألذّ عارية الليالي ... قران النّعم بالوتر الفصيح