عليها قباء ومنطقة، فقال لها: تولّي سقي أبي محمد. فما زالت تسقيني حتى سكرت، ثم أمر بتوجيهها وكلّ ما في داره إليّ فانصرفت بها.

«64» - عاتب مسلمة بن عبد الملك أخاه يزيد وقال: يا أمير المؤمنين، ببابك وفود الناس ويقف به أشراف العرب، ولا تجلس لهم، وأنت قريب عهد بعمر ابن عبد العزيز، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء! قال: إني لأرجو أن لا تعاتبني على هذا بعد اليوم. فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، وجاءت جاريته حبابة فلم يكلّمها، فقالت: ما دهاك عني؟ فأخبرها بما قال مسلمة وقال:

تنحّي حتى أفرغ للناس. قالت: فأمتعني منك يوما واحدا ثم اصنع ما بدا لك؛ قال: نعم، فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتا وتغنّي فيها؛ قالت: نعم. فقال الأحوص: [من الطويل]

ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا

إذا كنت عزهاة عن اللهو والصّبا ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

فما العيش إلا ما تحبّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا

فغنّى فيه معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى وهم يقرؤن بصوت شجيّ فحكيته في هذا الصوت، فلمّا غنّته حبابة قال يزيد: لعن الله مسلمة! قد صدقت والله لا أطيعهم أبدا.

«65» - قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أقام المأمون بعد قدومه بغداد عشرين شهرا لم يسمع حرفا من الأغاني؛ ثم قال: كان أوّل من تغنّى بحضرته أخوه أبو عيسى بن الرشيد، ثم واظب على السماع مستترا متشبّها بالرشيد في أوّل أمره. فأقام المأمون كذلك أربع حجج، ثم ظهر للندماء والمغنّين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015