وبلغ عبد الله بن جعفر خبره، فبعث إلى النخّاس، فاعترض الجارية وسمع غناءها بهذا الصوت، فقال لها: ممّن أخذته؟ قالت: من عزّة الميلاء، فابتاعها بأربعين ألف درهم، ثم بعث إلى الرجل، فسأله عن خبرها، فأعطاه إيّاه وصدقه عنه، فقال: أتحبّ أن تسمع هذا الصوت ممّن أخذته عنه تلك الجارية؟ قال: نعم، فدعا بعزّة الميلاء فقال: غنّيه إيّاه، فغنّته، فصعق الرجل مغشيّا عليه. فقال ابن جعفر: أثمنا فيه! الماء! فنضح على وجهه، فلما أفاق قال له: أكلّ هذا بلغ بك من عشقها؟ قال: وما خفي عنك أكثر؛ قال: أفتحبّ أن تسمعه منها؟
قال: قد رأيت ما نالني حين سمعته من غيرها وأنا لا أحبّها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها وأنا لا أقدر على ملكها؟ قال: أفتعرفها إن رأيتها؟ قال: أو أعرف غيرها! فأمر بها فأخرجت، قال: خذها فهي لك، والله ما نظرت إليها إلا عن عرض. فقبّل الرجل يديه ورجليه وقال: أنمت عيني وأحييت نفسي، وتركتني أعيش بين قومي، ورددت إليّ عقلي. ودعا له دعاء كثيرا، فقال له: ما أرضى أن أعطيكها هكذا؛ يا غلام احمل معه مثل ثمنها لكيلا تهتمّ به ويهتمّ بها.
«63» - قال إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ وقد حضره جماعة من جلسائه والأماثل والمغنّين. فلمّا جلسوا للشّرب جعل الغلمان يسقون من حضر، وجاءني غلام قبيح الوجه بقدح فيه نبيذ، فلم آخذه من يده، فرآني إسحاق فقال: لم لا تشرب؟ فقلت في الحال: [من البسيط]
إصبح نديمك أقداحا يسلسلها ... من الشّمول وأتبعها بأقداح
من كفّ ريم مليح الدّلّ ريقته ... بعد الهجوع كمسك أو كتفّاح
لا أشرب الراح إلا من يدي رشأ ... تقبيل راحته أشهى من الراح
قال: فضحك ثم قال: صدقت والله، ثم دعا بوصيفة تامّة الحسن في زيّ غلام