«53» - قال داود المكّي: كنّا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده جماعة فيهم عبد الله بن المبارك وعدّة من العراقين، إذ مرّ به ابن تيزن المغنّي [قال حماد: ويقال ابن بيرن] [1] وقد ائتزر بمئزر على صدره، وهي إزرة الشطّار عندنا، فدعاه ابن جريج فقال: أحبّ أن تسمعني، قال: إني مستعجل، فألحّ عليه، فقال: امرأته طالق إن غنّاك أكثر من ثلاثة أصوات، قال له: ويحك، ما أعجلك إلى اليمين، عليّ بالصوت الذي غنّاه ابن سريج في اليوم الثاني [2] من أيام منى على جمرة العقبة فقطع طريق الذاهب والجائي حتّى تكسّرت المحامل، فغنّاه: [من الكامل المرفّل]
عوجي عليّ فسلّمي جبر ... ماذا الوقوف وأنتم سفر
ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتّى يفرّق بيننا النّفر
الحول بعد الحول يتبعه ... ما الدّهر إلا الحول والشّهر
فقال له ابن جريج: أحسنت والله! ثلاث مرّات، ويحك أعده، قال: من الثلاثة، فأعاده فأقام، ومضى وقال: لولا مكان هؤلاء الثقلاء عندك لأطلت معك حتى تقضي وطرك. فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال: لعلّكم أنكرتم ما فعلت؟ فقالوا: إنا لننكره عندنا بالعراق ونكرهه، قال: فما تقولون في الرّجز؟ يعني الحداء، قالوا: لا بأس به عندنا، قال: فما الفرق بينه وبين الغناء.
«54» - روي أنّ إبراهيم الموصليّ غنّى الرشيد يوما في شعر هلال بن الأسعر