المؤمنين، في مثل هذه الساعة تظهر! قال: نعم، شوق [طرق لك] بي، ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم: يا سيّدي، أتنشط لشيء تأكله؟ قال: نعم، [خاميز ظبي] ، فأتي به كأنّما كان معدّا، فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب حمل معه، فقال له الموصليّ: يا سيّدي، أغنّيك أم تغنّيك إماؤك؟ قال: بل الجواري. فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر المجلس وجانبيه، فقال: أيضربن كلّهنّ أم واحدة واحدة؟ قال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغنّي واحدة. ففعل ذلك حتى مرّ صدر الإيوان وأحد جانبيه، والرشيد لا ينشط لشيء من غنائهنّ إلى أن غنّت صبيّة من حاشية الصفّة: [من البسيط]
يا موري الزّند قد أعيت مقادحه [1] ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس
قال: فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صاحبه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت حتى وقفت بين يديه، فأخبرته بشيء وأسرّته إليه، فدعا بحماره فركبه وانصرف، ثم التفت إلى إبراهيم فقال: ما ضرّك ألا تكون خليفة! وكادت نفسه تخرج حتى دعا به وأدناه بعد ذلك. قال: وكان الذي أخبرته به أنّ الصنعة في الصوت لأخته عليّة بنت المهديّ، وكانت الجارية لها وجّهت بها إلى إبراهيم يطارحها.
«52» أ- وكان إبراهيم ممّن حظّ في الغناء ونال به درجة من الغنى علياء، وكسب به ما لم يدركه من تقدّمه ولا من تأخّر عنه. وكان المهديّ قد حبسه وعذّبه في الدخول على ابنيه: موسى وهارون، وحلّفه لمّا أطلقه بالطلاق والعتاق أن لا يدخل عليهما أبدا ولا يغنّيهما. فلما ولي موسى الهادي الخلافة استتر