لغيري أن يراك نشيطا لشيء فيعارضك فيه، ولا أن تكون متعصّبا لحيّز وجنبة فيغالبك، وإلا فما في الأرض صوت لا أعرفه. قال: دع ذا عنك، قد أقررت أمس بالجهالة بما سمعت من صاحبها فإن كنت أمسكت بالأمس عنه على معرفة كما تقول، فهاته فليس ههنا عصبيّة ولا تمييز. فاندفع فأمرّ الأصوات كلّها، وابن جامع مصغ يستمع منه حتى أتى على آخرها. فاندفع ابن جامع فحلف بالأيمان المحرجة أنّه ما عرفها قطّ ولا سمعها، وما هي إلا من صنعته، لم تخرج إلى أحد غيره. فقال له: ويحك، فما أحدثت بعدي؟ فقال: ما أحدثت حدثا، فقال: يا إبراهيم، بحياتي اصدقني، قال: وحياتك لأصدقنّك؛ رميته بحجره، وبعثت إليه بمحمّد الزّفّ وضمنت له ضمانات أحدها رضاك عنه، فمضى فاحتال لي عليه حتى أخذها عنه ونقلها إليّ، وقد سقط عني الآن اللوم بإقراره لأنّه ليس عليّ أن أعرف ما صنعه هو ولم يخرجه إلى الناس، وهذا باب من الغيب ولو لزمني أن أروي صنعته للزمه أن يروي صنعتي، ولزم كلّ واحد منّا لسائر طبقته ونظرائه مثل ذلك، فمن قصّر عنه كان مذموما ساقطا. فقال الرشيد له: صدقت يا إبراهيم ونصحت عن نفسك وقمت بحجّتك. ثم أقبل على ابن جامع فقال له: يا إسماعيل، أتيت أتيت! دهيت دهيت! أبطل عليك الموصليّ ما فعلته بالأمس وانتصف منك، ثم دعا بالزّفّ ورضي عنه.
«52» - روي أنّ الرشيد هبّ ليلة من نومه، فدعا بحمار كان يركبه في القصر أسود قريب من الأرض، فركبه وخرج في درّاعة وشي متلثّما بعمامة وشي ملتحفا بإزار وشي، وبين يديه أربعمائة خادم أبيض سوى الفرّاشين. وكان مسرور الفرغاني جريئا عليه لمكانه عنده، فلما خرج من باب القصر قال: أين تريد يا أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: منزل الموصليّ. قال مسرور: فمضى ونحن معه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم، فخرج فتلقّاه وقبّل حافر حماره وقال له: يا أمير