بما تهيأ له عليّ، وتتنقّصني وتثلبني وتشمتمني وتحتال في أن تسمع منه الأصوات وتأخذها ولك كل ما تحبّه من جهتي من عرض من الأعراض مع رضاء الخليفة إن شاء الله.
قال: فمضى من عنده فاستأذن على ابن جامع فأذن له، فدخل عليه وقال:
جئتك مهنّئا بما بلغني من خبرك، والحمد الله الذي أخزى ابن مفاضة [1] على يدك، وكشف الفضل في محلّك من صناعتك. قال: وهل بلغك خبرنا؟ قال: هو أشهر من أن يخفى على مثلي، قال: ويحك! إنّه يقصر عن العيان، قال: أيّها الأستاذ، سرّني بأن أسمعه من فيك حتى أرويه عنك وأسقط بيني وبينك الأسانيد. قال: أقم عندي حتى أفعل، فقال: السمع والطاعة. فدعا ابن جامع بالطعام فأكلا، ثم دعا بالشراب، ثم ابتدأ وحدّثه بالخبر حتى انتهى إلى خبر الصوت الأول، فقال له الزّفّ: وما هو أيّها الأستاذ؟ فغنّاه ابن جامع إيّاه، فجعل محمد يصفّق وينعر ويشرب وابن جامع مجتهد في شأنه حتى أخذه. ثم سأله عن الصوت الثاني فغنّاه إيّاه، وفعل مثل فعله في الصوت الأول، وكذلك في الصوت الثالث. فلما أخذ الأصوات وأحكمها قال له: يا أستاذ، قد بلغت ما أحبّ، فأذن لي في الانصراف، قال: إذا شئت. فانصرف محمد من وجهه إلى إبراهيم، فلما طلع من باب داره قال له: ما وراءك؟ قال: كلّ ما تحبّ، ادع لي بعود. فدعا له به فضرب وغنّاه الأصوات، فقال إبراهيم: هي وأبيك! هي بصورها وأعيانها، ردّدها عليّ، فلم يزل يردّدها حتى صحّت لإبراهيم.
وغدا إبراهيم على كبر سنّه، فلما دعي بالمغنّين دخل فيهم. فلما بصر به قال له: أو قد حضرت! أو ما كان ينبغي لك أن تجلس في منزلك شهرا بسبب ما لقيت من ابن جامع؟ قال: ولم ذاك يا أمير المؤمنين جعلني الله فداءك؟ والله إن أذنت لي أن أقول لأقولنّ. فقال: وما عساك أن تقول؟ فقال له: ليس لي ولا