ويردّده على جارية له، ووقفت حتى دار لي واستوى فأخذته منه، فدعا به الرشيد ورضي عنه وأمر له بخمسة آلاف دينار.

«51» - وروي أن الرشيد قال يوما لجعفر بن يحيى: قد طال سماعنا لهذه العصابة على اختلاط الأمر فيها، فهلّمّ أقاسمك إيّاها وأخايرك، فاقتسما المغنّين على أن جعلا بإزاء كلّ رجل نظيره، وكان إسماعيل بن جامع في حيّز الرشيد، وإبراهيم الموصليّ في حيّز جعفر، وحضر الندماء لمحنة المغنّين. وأمر الرشيد ابن جامع بالغناء، فغنّى صوتا أحسن فيه كلّ الإحسان، وأطرب الرشيد كلّ الإطراب. فلما قطعه قال الرشيد لإبراهيم: هات يا إبراهيم هذا الصوت فغنّه، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أعرفه! وظهر الانكسار فيه. فقال الرشيد لجعفر: هذا واحد. ثم قال لابن جامع: غنّ يا إسماعيل، فغنّى صوتا ثانيا أحسن من الأول وأرضى في كلّ حال. فلما استوفاه قال الرشيد لإبراهيم: هاته يا إبراهيم قال: ولا أعرف هذا. قال: هذان اثنان، غنّ يا إسماعيل، فغنّى ثالثا يتقدّم الصوتين الأوّلين ويفضلهما، فلما أتى على آخره قال: هاته يا إبراهيم، قال: لا، ولا أعرف هذا أيضا. فقال له جعفر: أخزيتنا أخزاك الله! قال: وأتمّ ابن جامع يومه والرشيد مسرور به، وأجازه الجوائز الكثيرة وخلع عليه خلعا فاخرة. ولم يزل إبراهيم منخزلا منكسرا حتى انصرف، فمضى إلى منزله، فلم يستقرّ فيه حتى بعث إلى محمد المعروف بالزّفّ، وكان محمد من المغّنين المحسنين، وكان أسرع من عرف في أيّامه بأخذ الصوت يريد أخذه، وكان الرشيد وجد عليه في بعض ما يجده الملوك على أمثاله، فألزمه بيته وتناساه. فقال إبراهيم للزّفّ: إني اخترتك عمّن هو أحبّ إليّ منك لأمر لا يصلح له غيرك، فانظر كيف تكون. قال: أبلغ في ذلك محبّتك إن شاء الله. فأدّى إليه الخبر وقال: أريد أن تمضي من ساعتك إلى ابن جامع فتعلمه أنّك صرت إليه مهنّئا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015