الحسناء الغناء، وإنّما كانوا يعلّمونه الصّفر والسود، وأوّل من علّم الجواري المثمّنات الغناء أبي؛ فإنه بلغ بالقيان كلّ مبلغ ورفع من أقدارهنّ.
وفيه يقول أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبيّ، وكان يهوى جارية يقال لها أمان، فأغلى بها مولاها السّوم وجعل يردّدها إلى إبراهيم وإسحاق ابنه، فتأخذ عنهما، وكلّما زادت في الغناء زاد سومه؛ فقال أبو عيينة: [من الخفيف]
قلت لمّا رأيت مولى أمان ... قد طغى سومه بها طغيانا
لا جزى الله الموصليّ أبا إس ... حاق عنّا خيرا ولا إحسانا
جاءنا مرسلا بوحي من الشى ... طان أغلى به علينا القيانا
من غناء كأنّه سكرات ال ... حبّ يصبي القلوب والآذانا
«50» - قال إبراهيم بن المهديّ: انصرفت ليلة من الشمّاسيّة، فمررت بدار إبراهيم الموصليّ، وإذا هو في روشن له، وقد صنع لحنه في قوله: [من الطويل]
ألا ربّ ندمان عليّ دموعه ... تفيض على الخدّين سحّا سجومها
فهو يعيده ويلعب به بنغمته ويكررّه ليستوي له، وجواريه يضربن عليه؛ فوقفت تحت الرّوشن حتى أخذته وانصرفت إلى منزلي، فما زلت أعيده حتى بلغت فيه الغاية، وأصبحت فغدوت إلى الشّماسيّة واجتمعنا عند الرشيد، فاندفع إبراهيم فغنّاه أوّل شيء غنّى، فلما سمعه الرشيد طرب واستحسنه وشرب عليه، ثم قال:
لمن هذا يا إبراهيم؟ فقال: لي يا سيّدي صنعته البارحة؛ فقلت: كذب يا أمير المؤمنين، هذا الصوت قديم وأنا أغنّيه، فقال لي: غنّه يا حبيبي، فغنّيته كما غنّاه، فبهت إبراهيم وغضب الرشيد وقال له: يا ابن الفاجرة، أتكذبني وتدّعي ما ليس لك!؟ قال: فظلّ إبراهيم بأسوإ حال؛ فلما صلّيت العصر قلت للرشيد:
الصوت- وحياتك- له، وما كذب؛ ولكني مررت به البارحة، وسمعته يكرره