أمير المؤمنين، فهل تحسن أن تحدو؟ فقال: لا، ولكني أستعمل حداء. قال:
فإنّ منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين، فإذا وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك.
ومضى إلى عبد الملك، فلما رآه طيّب النّفس أرسل إلى ابن مسجح، فأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا: [من الرجز]
إنك يا عبد المليك المفضل [1] ... إن زلزل الأقدام لم تزلزل
عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميّل
للحقّ حتى ينتحوا للأعدل
قال عبد الملك للقرشيّ: من هذا؟ قال: رجل حجازيّ قدم عليّ، قال:
أحضره، فأحضره ثم قال له: أحد مجدّا، ثم قال له: هل تغنّي غناء الركبان؟ قال: نعم؛ قال: غنّه، فتغنّى، قال له: فهل تغنّي الغناء المتقن؟ قال:
نعم، قال: غنّه، فغنّى، فاهتزّ عبد الملك طربا، ثم قال له: أقسم أنّ لك في القوم أسماء كثيرة، من أنت، ويلك!؟ قال: أنا المظلوم المقبوض ماله المسيّر عن وطنه سعيد بن مسحج، قبض عامل الحجاز مالي ونفاني. فتبسّم عبد الملك ثم قال: قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم، وأمّنه ووصله، فكتب إلى عامله يردد ماله وأن لا يعرض له بسوء.
46- روي أنّ سليمان بن عبد الملك كان في بادية له يسمر ليلة على ظهر سطح، ثم تفرّق عنه جلساؤه، فدعا بوضوء فجاءته جارية له به، فبينا هي تصبّ على يده إذ أومى بيده وأشار بها مرّتين أو ثلاثا فلم تصبّ عليه، فأنكر ذلك فرفع رأسه فإذا هي مصغية بسمعها إلى ناحية العسكر، وإذا صوت رجل يغنّي، فأنصت حتى تسمّع جميع ما يغنّى به، فلما أصبح أذن للناس ثم أجرى ذكر الغناء حتى ظنّ القوم أنّه يشتهيه ويريده، فأفاضوا فيه بالتسهيل وذكر من كان يسمعه. فقال رجل من القوم: عندي يا أمير المؤمنين رجلان من أهل أيلة مجيدان