فدخلا مسجدها فسألا: من أخصّ الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبنو عمّه. فوقف ابن مسجح عليهم، فسلّم ثمّ قال: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض، وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها: «برق الأفق» . فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمّم فقال له: أنا أضيفك؛ فقال لأصحابه: انطلقوا أنتم، وأنا أذهب مع ضيفي. فقالوا: لا، بل تجيء معنا أنت وضيفك. فذهبوا جميعا إلى بيت القينة. فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني رجل أسود، ولعلّ فيكم من يقذرني، فأنا أجلس وآكل ناحية، وقام، فاستحيوا منه، وبعثوا إليه بما أكل.
فلما صاروا إلى الشّراب قال لهم مثل ذلك، ففعلوا به، وأخرجوا جاريتين فجلستا على سرير قد وضع لهما تغنّيان، فغنّتا إلى العشاء، ثم دخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها، فجلستا أسفل السرير وجلست هي على السرير، قال ابن مسجح: فتمثّلت بهذا البيت: [من الطويل]
فقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم
فغضبت الجارية وقالت: أيضرب مثل هذا الأسود بي الأمثال! فنظروا إليّ نظرا منكرا، ولم يزالوا يسكّنونها، ثم غنّت صوتا. قال ابن مسجح: فقلت أحسنت والله! فغضب مولاها وقال: أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي! فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي، فقد ثقلت على القوم، فذهبت أقوم، فتذمّم القوم وقالوا لي: أقم وأحسن أدبك. فأقمت، وغنّت فقلت: أخطأت والله يا جارية يا زانية وأسأت، واندفعت فغنّيت الصوت، فوثبت الجارية وقالت لمولاها: هذا أبو عثمان سعيد بن مسجح؛ فقلت: أي والله أنا هو، والله لا أقيم عندكم! ووثبت، فوثب القرشيّون، فكلّ قال: هذا يكون عندي، فقلت: والله لا أقيم إلا عند سيّدكم- يعني الرجل الذي أنزله منهم- وسألوه عمّا أقدمه، فأخبرهم الخبر. فقال له صاحبه: إني أسمر الليلة مع