بهما فأحضرا، فقال إسحاق: إنّ للضّرّاب أصواتا معروفة فأمتحنهما بشيء منها؟ قال: أجل افعل، فسمّى ثلاثة أصوات كان أوّلها، والشعر والغناء لإبراهيم: [من السريع]
علّق قلبي ظبية السّيب ... جهلا فقد أغري بتعذيبي
نمّت عليها حين مرّت بنا ... مجاسد ينفحن بالطّيب [1]
تصدّها عنّا عجوز لها ... منكرة ذات أعاجيب
فكلّما همّت بإتياننا ... قالت توقّي عدوة الذيب
فضربا عليه [فتقدّم] زلزل وقصّر ملاحظ. فعجب الواثق من كشفه عمّا ادّعاه في مجلس واحد، فقال له ملاحظ: فما باله يا أمير المؤمنين يحيلك على الناس، ولم لا يضرب هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه لم يكن في زماني أحد أضرب مني، إلا أنّكم أعفيتموني، فتفلّت مني، وعلى أنّ معي بقيّة لا يتعلّق بها أحد من هذه الطبقة، ثم قال: يا ملاحظ، شوّش عودك وهاته، ففعل ذلك ملاحظ.
فقال إسحاق: يا أمير المؤمنين، هذا يخلط الأوتار خلط متعنّت، فهو لا يألو ما أفسدها. ثمّ أخذ العود فجسّه ساعة حتى عرف مواقعه، وقال لملاحظ: غنّ أيّ صوت شئت. فغنّى ملاحظ صوتا وضرب عليه إسحاق بذلك العود الفاسد التّسوية، فلم يخرجه عن لحنه في موضع واحد حتى استوفاه عن نقرة واحدة، ويده تصعد وتنحدر على الدساتين. فقال له الواثق: لا والله، ما رأيت مثلك ولا سمعت به قطّ! اطرح هذا على الجواري، فقال: هيهات يا أمير المؤمنين! هذا شيء لا يفي به الجواري ولا يصلح لهنّ، إنّما بلغني أنّ الفلهيذ [2] ضرب يوما بين يدي كسرى أبرويز، فأحسن فحسده رجل من حذّاق أهل صناعته، فترقّبه حتى قام لبعض شأنه، ثم خالفه إلى عوده فشوّش بعض أوتاره، فرجع