[744]- ومن رسائل أبي الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المعروف ببديع الزمان المسماة بالمقامات:
حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت وأنا في عنفوان «1» سنّي، أشدّ رحلي لكلّ عماية «2» ، وأركض طرفي إلى كلّ غاية «3» ، حتى شربت العمر سائغه، ولبست للدهر «4» سابغه. فلما صاح «5» النهار بجانب ليلي، وجمعت للمعاد ذيلي، وطئت ظهر المروضة «6» ، لأداء المفروضة، وصحبني في الطريق رفيق ما أنكره «7» من سوء.
فلما تجالينا، خبرنا بحالينا، أسفرت «8» القصة عن أصل كوفيّ، ومذهب صوفيّ.
وسرنا فلما حللنا المدينة «9» ملنا إلى دارة ودخلناها «10» ، وقد بقل وجه النهار واخضرّ جانبه، فلما اغتمض جفن الليل وطرّ شاربه، قرع علينا الباب، فقلنا من [القارع] المنتاب؟ فقال: وفد الليل وبريده، وفلّ الجوع وطريده، وحرّ قاده الضّرّ والزمن المرّ، وضيف وطؤه خفيف، وضالّته رغيف، وجار يستعدي على الجوع، والجيب المرقوع، وغريب أوقدت النار في أثره «11» ، وأنبح العوّاء على سفره «12» ، ونبذت خلفه الحصاة «13» ، وكنست بعده العرصات، نضوه طليح،