النفس «1» والعناد الغالب، فلو لم ترض لصاحبه بعقاب دون قعر جهنم لعدّلك كثير من العقلاء، ولصوّب رأيك عالم من الأشراف. ومتى كانت طبيعته البذاء، وخليقته الشرارة والتسرّع، فاقتله قتل العقارب، وادمغه دمغ رؤوس الحيّات. وإذا كان ممّن لا يسىء فيك القول، ولا يرصدك بالمكروه، إلّا لتعطيه على الخوف، وتمنع عرضك من جهة التقية، فامنعه من جميع رفدك، واحتل في منعه من قبل غيرك. فإنك إن أعطيته على هذه الشريطة، وأعظمته مع هذه الحكومة، فقد شاركته في سب نفسك، واستدعيت الألسنة البذيئة إلى عرضك، فكنت عينا لهم عليك «2» ، وبابا لهم إليك. وكيف تعاقبه على ذنب لك شطره، وأنت فيه قسيمه، إلّا أنّ عليك غرمه وله غنمه؟ ومن العدل المحض والانصاف الصريح أنّ تحطّ عن الحسود نصف عقابه، وتقتصر به على مقداره، لأنّ ألم حسده لك قد كفاك مؤونة شطر غيظك عليه.
وأمّا الوادّ فلا تعرض له ألبتة، ولا تلتفت لفته، ولو أتى على الحرث والنسل، وجثا على الروح والقلب. ولا تغترّ بقوله إني أودّ، ولا تحكم له بدعواه أني جدّ وامق، وانظر أنت في حديثه وإلى مخارج لفظه، وفي لحن قوله، وإلى طريقه وطبعه، وإلى خلقه وخليقته، وإلى تصرّفه وتصميمه، وإلى توقّفه وتهوّره؛ وتأمّل مقدار جزعه من قلّة اكتراثه، وانظر إلى غضبه فيك ولك، وإلى انصرافه عمّن انصرف عنك، وميله إلى من مال إليك، وإلى تسلّمه من الشرّ، وتعرّضه له، وإلى مداهنته وكشف قناعه، بل لا تقض له بجميع ذلك ما كان ذلك في أيام دولتك، ومع إقبال إمرتك، وإنّ طالت الأيّام وكثرت الشهور، حتى تنتظم له الحالات وتستوي فيه الأزمان؛ نعم، ثمّ لا تحكم له بذلك حتى يكون خلقه حالة مقصورة على محبتك، ومحتوية عليك وعلى نصيحتك، بالعلل التي توجب الأفعال، والأسباب التي تسخّر القلوب للمودّات. فإن أنت لم تحكم له بالعادة