ومن الحزم ألّا تخرج إلى العدوّ إلّا «1» ومعك من القوى ما يعمّ الفضلة التي يتيحها لك «2» الاخراج، ولا بدّ أيضا من حزم يحذّرك مصارع البغي، ويخوّفك ناصر المظلوم.
وبعد، فأنت- أبقاك الله- تضرّ من ألم الغيظ نفسك، والغيظ عذاب أليم، وربما زاد التشفي في الغيظ ولم ينقص منه «3» . ولست على يقين من أن يعود سهمك في ضرّك، كما أيقنت بموضع الغيظ من صدرك. والحازم لا يلتمس شفاء غيظه باجتلاب ضغنه، ولا يطفىء نار غضبه بأحرّ من غضبه، ولا يسدّد سهمه إلّا والغرض ممكن، والغاية قريبة، ولا يهرب والهرب معجز. إنّ سلطان الغيظ غشوم، وإنّ حكم الغضب جائر، وأضعف ما يكون العزم عند التصرّف، وأضعف ما يكون الجزم والغضب في طباع سلطان [الهوى] ، والهوى يتصوّر في صورة امرأة، [و] لا يبصر مساقط العيب ومواقع السّرف «4» إلّا كلّ معتدل الطباع، مستوي الأسباب. والله لقد كنت أكره سرف الرضى مخافة جواذبه إلى سرف الهوى، فما ظنّك بسرف الغضب وبغلبة الغيظ، ولا سيما ممّن تعوّد إهمال النّفس، ولم يعوّدها الصبر، ولم يعرّفها موضع الحظّ في تجرّع المرارة، وأنّ المراد من الأمور عواقبها عواجلها. ولقد كنت أشفق عليك من إفراط السرور، فما ظنّك بافراط الغضب؟ وقد قال الناس: لا خير في طول الراحة إذا كان يورث الغفلة، ولا في طول الكفاية إذا كان يؤدّي إلى المعجزة، ولا في كثرة العيّ إذا كان يخرج إلى البلادة.
جعلت فداك، إنّ داء الحزن، وإن كان قاتلا، فإنّه داء مماطل، وسقمه مطاول، ومعه من التمهل بقدر قسطه من أناة المرّة السوداء، وداء الغيظ سفيه