وبعد، فأنا ممّن ألهمه الله حبّ الفضائل وأهلها، وأغراه بشنأة من بلي بجهلها، فإذا رأيت الدهر قد سمح بماجد كريم، وعوّض سوام الآمال بمرعى مريع غير هشيم، وجاد بعد ضنة بارعوائه وإعتابه، وعدل بعد ظلم بإقرار حقّ في نصابه، وجدت في منّتي قوة كنت عدمتها، ومن همّتي حركة منذ الأمد الطويل ما علمتها، واعتقدت أنّ بضائع الفضل البائرة قد نفقت، وأيدي مشتريها على أيدي مجهّزيها بالربح قد أصفقت، وأنّ النقص الذي استولى على الأرض من أطرافها، واشترك فيه الأعمّ الأغلب من مشروفي ساكنيها وأشرافها، قد رفع عاره عن الأمّة، وكشف بإزالته عنها حجاب الغمّة. وما برحت، منذ أنشر الله رميم الكرم الداثر الدارس، وأعاد روح المعالي زاكية المنابت نامية المغارس، بالجانب الفلاني- جمع الله بدوام سعادته شمل المجد، وبلّغه الغاية القصوى من علوّ الجد- أضوّع المحافل بعطر مدحه والأندية، وأوشّي المطارف من الثناء على مناقبه والأردية، وأبالغ في ذلك مبالغة من ملك الشّغف قلبه فما يراقب في المغالاة خلقا، ولا يخاف التكذيب من يقول حقّا، ما لم يكن لطمع عرضي، وربّ مقام قمته، وعذر في الاجتهاد أبليته وأقمته، وقد جرى ذكر هذا الجانب- أدام الله علاه- فقلت:

نفس عصام سوّدت عصاما

وهل الفخر الأوفى، وشرع المجد الأصفى، وقدح الرّياسة المعلّى، والسيادة المجاوزة رتبة الفرقدين محلّا، إلّا من وفّق الله له هذا الماجد الحلاحل، والجواد الذي ليس لبحر جوده ساحل، والكريم الذي أضحت أمواله مقسّمة بأيدي عفاته منتهبة، وأعينها لما منيت به من بغضائه منتحبة، وهمّته العليّة مستغرقة للأوقات في رسم عاف يعيده، وبرّ واف للمجتدين يفيده، ودين يقوم في حفظ معالمه إذا قعد الجميع، ويجيب داعيه وقد تصامم عنه كلّ سميع، ومصلحة جامعة يحيي رفاتها، ونفس مجدود يقضي من أوطارها ما فاتها، وعلم تنشر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015