طرب واهتزاز. وسرّحت سوام طرفي من خطّه في رياض مونقة، وحدائق بالأزهار مشرقة: [من الكامل]
كتفتح النوار فتّقه الحيا ... أو كالصبّاح فرى الدجى بعموده «1»
وما زلت قبل وروده أناجي نفسي بقرع باب المكاتبة وأحدّثها، وأحملها على عمارة سبيل المواصلة وأبعثها، وأهجّن عندها المقاطعة المتصلة، والمصارمة المستعملة، مهما تأكّد في سالف الأيام بين الأسلاف، من الوداد الجميل الأوصاف، وكون ذلك عند الأبناء قرابة مرعية ونسبا، وإلى تقارض المودّة في ذات بينهم سببا. فتقول لي: العادات سنن متبوعة، وملل مشروعة، والذي استمرّ به العرف أن يكون ابتداء المكاتبات من المسافر، والمفاتحة بها من الظاعن عن وطنه السائر، فلا تثريب عليك في الانقباض ولا ملام، ولا مقال للزّاري عليك في ترك المباسطة ولا كلام. لكن لما استمرّت مدة الانقباض المستهجن وطالت، وأسهبت المحافظة في توبيخها على تراخي هذه الحال وأطالت، ووصلني الفصل الذي وفر حبرتي واغتباطي، وحرّك لتلافي فارط التقصير نشاطي، رأيت أنّ مثله- وإن عزّ وجوده- يحتسب له ولا يحاسب، وتبذل له العتبى ولا يعاتب. فنشطت قلمي من عقاله، وعجت عن هجر الاسترسال إلى وصاله، مشعرا له- أدام الله علوّه- أنّ كثيرا من الأجانب، ومن لم يرني من الجوانب، يقلّدني نجاد المنة بخير ينبي عند ذكري، وقول جميل أبناؤه نحوي تسري، أو كتاب يصدره إليّ مفتتحا، أو يشكر به خدمة رأى تقرّبي بها متضحا، فكيف لي أن يقتدي في حقي بالبعداء من يحلّ مني محلّ الأعزة والأقرباء، إما بمواصلة جميلة، أو نيابة بتحسين الذكر كفيلة. وهذا مقام لا يستغنى فيه عن الإفصاح بالحقيقة التي يمنع الحزم من التصريح بها، وألمعيّته كافية في لمحها، والاستدلال بجملتها على شرحها.