ونواهيه، واستحلّ ما حرّم الله تعالى من أهليه، سفكا للدماء المحقونة، وهتكا للمحارم المصونة، وفتكا بالنفوس المحرّمة، ونهكا للأموال المجتمعة، سيفا يحصد شوكته، وحقّا يقصم شرّته، وخوفا يشرّد طمأنينته، وأصاره في الآجلة إلى نار تلظّى، لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذّب وتولّى. ثم وعد غير الراضي بفعله، والجاري في مذاهبه وسبله، جزاء الأسف والنّدامة، وردّاه برداء الخزي يوم القيامة، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ

(آل عمران: 85) ، وقال: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً

(النساء: 115) . وخبّر نبيّه صلّى الله عليه وسلم بصورة المؤمنين وصفة المتّقين، فقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ

(المجادلة: 22) . فحقّ لمن عقّ في الله أباه، وهجر في مرضاته زوجه وأخاه، وقطع في طاعته رحمه، وحادّ في ذاته عشيرته ولحمه، أن يلحقه بعباده الذين ارتضى فعلهم، وشكر سعيهم وعملهم، وأعدّ الجنّة ثوابا لهم، إذ كان ما يتكلّفه من هذه الحال التي تأباها الطّباع، وتنفر منها القلوب والأسماع، مبالغة في القربة إلى ربّه، وحرصا على تحصيل ثوابه وأجره.

ومنها: وإنّا لما وجدنا أبانا- هداه الله إلى الهدى وعدل به إلى السبيل المثلى- قد استمرّ على مزلقة مردية، ومدرجة مودية، مع تخلّق العمر، ونزول الأمر، ومشارفة حلول القبر، رأينا له الكفّ عن غربه أصلح، والتخفيف عن ذنبه أربح، وقصره عن استزادة السيّئات أكمل في برّه، وحصره عن الاستكثار من الموبقات أفضل في شكره، فقبضنا يده المبسوطة بالشّرّ، وكففنا سهامه المبثوثة بالضّرّ، وأخفناه على نفسه خيفة تردعه، وتلجمه وتزعه، عسى الله أن يهديه لرشده، ويردّه إلى سواء قصده، فيطفو من غمرته، ويصحو من سكرته، ويرجع إلى ربّه رجوع المضطر، وينزع نزوع الذي مسّه الضّرّ، ومعه بقيّة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015