733- لما قبض هلال بن بدر بن حسنويه على أبيه بدر، وقال الناس في ذلك ما شاءوا «1» ، فمن منكر لفعله مستفظع، ومن مصوّب له عاذر، سئل أبو الحسن عليّ بن نصر الكاتب إنشاء كتاب يبين فيه عن عذر هلال ويحسّن أثره، فكتب:
إنّ أولى ما استمع، وأحرى ما اقتفي واتبع، كتاب الله تعالى المنزل على قلب نبيّه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، وأزلف محلّه لديه إذ يقول جلّ جلاله وصدق مقاله، مؤدّبا للخلق، وحاضّا على قول الحقّ، ومخوّفا من الإثم المكتسب، ومحذّرا من الوزر المحتقب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
(الحجرات: 12) ويقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً
(الأحزاب: 70) ، فجعل التقوى له منوطة بالقول السّديد، والنّطق الرّشيد. فلا يجب لأحد من الخاصّة والعامّة، وجد الرّياء في خليقته، وشيئا باين طبعه وسليقته، أن يحكّم التّهم عليه، ويوجّه الظنن إليه، استنكارا لظاهره المستهجن، دون استشفاف باطنه المستحسن، لا سيما إن صدر من ذي رئاسة، وبصير بسياسة، قد لابس الخير والشرّ، ومارس النفع والضّرّ، وعلم كيف تصرّف الأمور، وتقلّب الأيّام والدهور. فإنّ لكلّ بدء خاتمة يورد عليها، وعاقبة يفضى إليها، ولربّ جميل انكشف عن القبيح غطاؤه، وقبيح انحسر عن الجميل غشاؤه، ولا يعلم الإنسان ما في المغيّب. وإنّ الله جلّ ثناؤه «2» ، وتقدّست أسماؤه، جعل الإسلام دينا قيّما يهدي إليه من الجهالة، وطريقا مستقيما أوضح عليه الدّلالة، وسببا مبينا استنقذ به من الضّلالة، ختم به الأديان والملل، وحتّم أتباعه على كافّة الشرائع والنحل، وجعل العاجلة لمن جهل واضح «3» حجّته، وعدل عن لائح محجته، وبغى الفساد فيه، وخالف أوامره