الذي طبّق البلاد، وعلا الوهاد، وعمّ السّهوب، وشفى القلوب، فالحاطب بطيء الأوبة، والقابس قرين الخيبة، قد جنّ ذبابه، ونعب غرابه، وسمنت حواشيه، وغزرت مواشيه، فكأنّ الثلج في مواطنها، والقطن المندوف بين معاطنها، يتطرف ولا يتنحّى، ويتتبع ولا يستقصى. قد أكثبها السّعدان، وأحسبها المكر والضّيمران، فما تبرح عن مأوى ولا تنزح عن طلب مرعى، قد ألقت رعاتها عصيّها، واستوقفت مضاجعها، وجعلت حبالها على غواربها، وأهملتها في مسارحها، فانداحت بطونها، وانبسطت غضونها، واستحشت أكرعها، واستحنت أضلعها، فكأنّ القائل لها وصف، وإيّاها عنى، في قوله:

[من الخفيف]

إبلي الإبل لا يحوّزها الرا ... عون مجّ النّدى عليها الغمام «1»

سمنت فاستحشّ أكرعها لا الن ... نيّ ولا السّنام سنام

وما ألبسه- أدام الله تأييده- من سوابغ النّعم، ومنحه من مطايب الطّعم، وأترع له من الجفان الرّذم، وشمله من أريحيّات الكرم، حتى كظّ البشم، وذهب القرم، وأودت الفطن، وعييت اللّسن، وصار قسّ في خطابته كباقل، إذ عيّ عن حسابه، ودغفل كبعض الأعراب وقد سئل عن النّضناض ففتح عن فيه، وأدار لسانه فيه، أو كأحمد بن هشام الذي استطرد القائل عليه بقوله «2» : [من الطويل]

وصافية تعشي العيون رقيقة ... رهينة عام في الدّنان وعام

أدرنا بها الكأس الرّويّة بيننا «3» ... من الليل حتى انجاب كلّ ظلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015