أولى من حافظ عليها، وتمسّك بها، وكلّ من بعده من موال- أدام الله نعماءهم- فبهم يقتدى، وبآدابهم «1» يهتدى. وما يخالف في ذلك إلا من الحقّ خصمه، والحجة عليه، والله تعالى من وراء معونته إن انثنى وراجع، أو المعونة عليه إن أصرّ وتتايع. وهاهنا- أيّد الله مولانا- أحوال أخر، ودواع إلى اعتقاد هذه الألفة لو لم تسبق الوصيّة بها من القرن الخالف: فمنها أنّ الأدوات التي أدّت الماضين إلى تلك الآراء السديدة الرشيدة، هي في الغابرين الباقين- مدّ الله في أعمارهم- أوجد، وعليهم أحسن، وهم بأن يستأنفوها ويستقبلوها أولى من أن يتعلّموها ويتقيّلوها، لارتفاع العصابة التي مولانا وسيّدنا زعيمها، واللحمة التي هو كبيرها وعظيمها؛ ومنها أنّ انتشار التّظالم «2» إن بدا- والعياذ بالله- لم يقف عند الحدّ الذي يقدّر أن يقف عنده، ولم يخصّ الجانب الذي يظنّ أنه يلحقه وحده، بل يدبّ دبيب النار في الهشيم، ويسري كما يسري النغل في الأديم. وكثيرا ما يعدي الصحاح مبارك الجرب، ويتخطى الأذى إلى المرتقى الصعب، في مثل ذلك «3» ، وانعكاس المتحمّلات في مثل ذلك أقرب من استتبابها، والتواؤها أسرع من اعتدالها.
731- وكان أبو إسحاق الصابي محبوسا في دار المطهّر بن عبد الله، وصودر على مال أجحف به، وكان المطهر يراعي حاله، وكان معه ابناه محبوسين، ويخرج كلّ واحد منهما في نوبة له. واتّفق أنّ المطهّر تفقّد حال أبي إسحاق في مطعمه ومشربه، فأنكر خللا رآه، وضرب الطبّاخ ومنع المستخرج من مطالبته ببقيّة كانت عليه، وحال بينه وبين مخاطبته، وكان ذلك في نوبة ابنه الأصغر أبي عليّ المحسن، فكتب إليه: