مولاي- أطالها الله- ما تتعلّل عيني إلا بتصوّره، ولا قلبي إلا بتذكّره، ولا قطعت كتبي عنه إلا بنيّة واصلة له، ومودّة مواظبة عليه، ومخالصة لا ينقصها الإغباب، ولا يزيد فيها الإدمان. وأرجو أن يزول بنا دوران الزمان، وكرّات الليالي والأيّام، إلى اتصال حبل وانتظام شمل، واستقرار دار، وتداني جوار.
729- وكتب عن قاضي القضاة محمد بن معروف إلى الوزير أبي منصور محمد بن الحسين:
الدنيا- أطال الله بقاء سيدنا الوزير- مذمومة ممّن تساعد، فضلا عمّن تعاند. وقد علم الله أنني لم أزل زاهدا فيها، ذاهبا عنها، أيام الإقبال والشبيبة، فكيف عند وشك الرحيل والمفارقة؟! ولو سلم الأحرار فيها من دواعي الحاجة، وعوارض الخلّة، لهانت عليهم مقاطعتها ومصارمتها، واستتبّ طريقهم إلى متاركتها ومفارقتها، وخاصة من كان مثلي في تداني المدى، وتقاصر الخطى، والتوجه إلى الدار الأخرى. لكنه لا بدّ فيها للمجتاز، وإن كان لابثا على أوفاز من مادة تسبل ستر التجمّل عليه، وتمنع من ظهور الخصاصة به. ولمولانا الملك عليّ نعم سوابغ، وأياد سوابق، وقد كان سبيلي أن أشتغل بشكرها، وأستمرّ على نشرها، والحديث بها، وأتوقّف عن استضافة غيرها إليها لولا المعذرة التي قدّمتها، والضرورة التي أومأت إليها، ومن تمام هذه النّعم أن يكون الوجه مصونا والقوت موجودا.
730- وكتب عن ابن بقية إلى عضد الدولة: فأما اعتقاده- أطال الله بقاءه- حفظ الألفة، ودحض ما ألّم بها من الوحشة، فمشاكل لآرائه الصحيحة وأخلاقه السجيحة، ولما لم أزل أبعث وأحثّ عليه، وأدعو وأرشد إليه. وإذا كان هذا رأيه، وكان عند مولانا الأمير عزّ الدولة مثله، وكنت بينهما مسديا ملحما فيه، وباذلا وسعي في تقرير أواخيه، فما ينبغي أن تقعد بنا حال عن الجمع بين القول والفعل، والمساواة بين الشاهد والغائب، والمطابقة بين البادي والخافي. وأمّا اللزوم لسنن موالينا الماضين- رضي الله عنهم أجمعين- فمولانا