وهو أنني كنت منذ سنين كثيرة مرميّا بعطلة، وموسوما بعزلة، فتخوّفت أن يتطرّق لبعض المنحرفين عني، والباغين عليّ، قول ربما تطرّق مثله على من نبا به زمانه، وهرّته أوطانه، فأكون قد أبديت لمراصده عن مقاتلي، ولمخاتله عن حزّ مفاصلي، فلزمت التقيّة، وكرهت الأذيّة، وانتظرت الإمكان، وتوقّعت دورة الزمان، وعلى ذاك فو الله- أطال الله بقاء مولانا «1» - ما فارقت منذ عرضت بيني وبينه الشّقّة، وأبعدتني عنه الشّقوة، ذكره وشكره، والثناء عليه والاعتداد به؛ وإنّ محاسن وجهه لنصب عيني، ومخارج لفظه حشو سمعي، ونوادر فضله جلّ أدبي، والإسناد عنه كنه فخري. هذا وإنما خدمته أيّام كانت رياسته سرّا في ضمير الزمان، ودينا في ضمان الأيام، فكيف لو رأيته آمرا ناهيا بين وسادتيه، ورأى خادما ماثلا بين يديه؟ وما يمكنني أن أهجو دهرا قصّر خطوتي عنه، وقد أعطاه من استحقاقه ما أعطى، ولا أن أمدحه وقد حرمني من جواره ما حرم.

فإن أوجبت له شكرا فلعظم بلائه عنده، وإن ألحقت به ذمّا فلاتّصال القواطع عنه، ولا سيما وإنما حماني عن ورود بحر زاخر، وحجبني عن ضياء بدر زاهر، ومنعني من بلال نوء ماطر، وأخرجني عن غمرة غيث قاطر، وحال بيني وبين من إليه الشكوى له، ومنه العدوى عليه، حتى خلا بي فأفرط ظلمه، وتحكّم فيّ فجار حكمه.

728- وكتب إلى صديق له: وصل كتاب مولاي وفهمته. فأما ما شكاه من الشوق إليّ، فأحلف بالله إنه صادق فيه، مستغن عندي عن إقامة شاهد بما أجده من مثله. كيف لا يكون كذلك وقد أوحشنا الزمان من الإخوان، وأفردنا دون الأقران، فصار كلّ منّا بضاعة صاحبه المزجاة الواحدة، وذخيرته الشاذّة للشدة الفاردة. ومنذ فرق الدهر بين دارينا، فقد دانى بين قلبينا، وعرّفنا فضل صنيعه إلينا، بأن أبقانا من بين من أفنى، وأخّرنا عمّن مضى وأودى. وحياة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015