وعجم الاختبار عودها، فبرزت من سرّ الشّوحط وصميمه، أو عريق الأبنوس وقديمه، تختال من بدع الاختراع، وعناية الصناع، بين تناسب الطول واعتداله، واقتصاد العرض وكماله، جدوليّة العطفين، هلالية الطرفين، مسكيّة الجلدة، كافورية الحلية، فسيحة الأحشاء، مهفهفة الأعضاء، فهي من نبذ بلقتها، وو شائع حليتها: [من الخفيف]
كشباب مجاور لمشيب ... أو ظلام موضّح بنهار
أضمرت آلة النهى فهي كالقل ... ب وما تحتويه كالأفكار
تظأر من ذخائر السّحاب، وودائع التراب، كلّ معتدل الكعوب، قويم الأنبوب، باسق الفروع، رويّ الينبوع، نقيّ الجسد، نازح العقد، مختلف الشيات، متفق الصفات، مما عنيت الطبيعة بتربيته، وتبارت الدّيم في تغذيته، فأظهرته كالجوهر المصون، أو اللؤلؤ المكنون، ملتحف الأجساد، بمثل خوافي أجنحة الجراد، إلى أن سبته الرغبة من معادنه، واجتباه التخير من مواطنه، فصار أولى باليد من البنان، وآنس بخفيّ السر من اللسان، تناط الأمور بنباهته، وتقدح الآراء من فطنته، موثوق به خؤون، متهم مأمون، مبيد مفيد، كتوم نموم: [من الطويل]
يدافع في الجلّى بغير استطاعة ... ويفصح في النجوى بغير بيان
موات فان ألقى به الرأي رحله ... حماه بأمضى خاطر وجنان
تحكم في مهجته، وتسطو بذروته، ذات غرار ماض، وذباب قاض، ومنسر بازيّ، وجوهر هوائي، ونصاب زنجي. حتى إذا أرهفت غراريه، ونحتت روقيه، ناطته بمستدير الجسم ملمومه، مطّرد القدّ مستقيمه، ذي جسد بجراحها مكلوم، وجلد بآثارها موسوم: [من البسيط]
في كلّ عضو له من وقعها ألم ... وليس ينجع فيه ذلك الألم