كأنه وامتهان القطّ يرغمه ... أنف الحسود اذا ارغمنه النعم
حتى إذا جبّ غاربه، وأطلقت مضاربه، انصاع في أصول حفير، وكرع من أعذب غدير، لا ترده غير الافهام، ولا يمتح إلّا بأرشية الأقلام، تفيض ينابيع الحكمة من أقطاره، وتنشقّ سحب البلاغة من قراره، منير مظلم، مشمس مقمر: [من البسيط]
يجري وأجراؤه في الوصف جامدة ... ويستهلّ وما تهمي له مقل
إذا الخواطر حامت حول مورده ... لم يروها من قراه العلّ والنّهل
كأن أقلامنا فيما تحمّله ... الى القراطيس عن أسراره رسل
وقد وفيت- أيدك الله- ببديع الأوصاف عاجل المهر، وجعلت ملك الهديّ كفيلا بآجل الشكر، فإن رأيت ان تؤيد يدي ولساني في نشر فضائلك، وتخليد مناقبك، وبثّ محاسنك، فعلت، إن شاء الله.
26- أهدى ابن نصر الكاتب إلى وزير سكينا ومقطّا وأقلاما، وكتب معها رسالة منها: خدمت بأنابيب كرم منبتها ومقيلها، وأرضها ريف مصر ونيلها، فكأن نصولها بعد الريّ والتمام، وأصولها بعد البلوغ والاستحكام، قد جمعت بين فضيلتي الاعتدال والاستواء، وفارقت ذميمي الالتفات والالتواء، وتقمصت حبرات الوشي المحوكة، وتوشّحت ذوائب التبر المسبوكة، زيّ البغيّ المتبرّجة، أو الكاعب المتحرجة، مقرونة بمضرمة النار، مرهفة الغرار، تنطق السنتها، وتطلق أعنتها، وتنقلها عن الأنابيب إلى الاقلام، وتجعلها مطايا المعاني والكلام.
لها معين على مسكها وضبطها، وقرن في تقويمها وظهير على تحسين جريها وخطها، ينصرها فتخذله، ويطعمها فتأكله، قد عدم شكرها، ودام أنسها وبرها، لا تألم بجراحها، ولا يطمع في استصلاحها، ولا يعدم ضرارها، ولا يسأم جوارها، فعل الوامق الصبور، والعاشق المغرور. فإن رأى قبول ما أوفدته