يكون عبد الرحمن لم يرد بالاقتداء التقليد، وإنما أراد سلوك طريق الحق دون التقليد في الأحكام.
فإن قيل: لو كان كذلك، لم يمتنع عليٌّ منه. قلنا: يكون عليٌّ قد فهم التقليد في الأحكام فامتنع، ويكون عبد الرحمن إنما قصد سلوك طريق العدل، أو يكون عبد الرحمن فهم جواز تقليد العالم للعالم. وهذا لعمري ضعيف، وهو أن المجوِّز لا يجوِّز الاتباع، ولكنه يسوِّغه. وظاهر حال عبد الرحمن الإلزام. فلا وجه إلا أن يحمل الأمر على أنه قصد العدل والإنصاف، ولم يفهم عنه عليٌّ - رضي الله عنه - ذلك.
وقد كنا قلنا: إن أقرب المذاهب قول من يفرِّق بيم كونه موافقًا للقياس أو مخالفًا له، ويرى أنه لا يخالف القياس إلا عن توقيف اتفق وقوفه عليه وإن لم يبلغنا. وهذا لا يتحقق أنه لم يستند إلى الرأي بحال.
ولو تحققنا استناده إلى غير الرأي وللبراءة الأصلية، ويتعين عندنا أنه إنما أسنده إلى التوقيف. فهذا موضع كلام. وهو يشبه إذا ما روى خبرًا وخالفه، فإنا اخترنا هناك سقوط التمسك بالخبر، والرجوع إلى رأيه. وهذا من ذلك القبيل.
فإذا تقرر هذا، فإن بنينا على أن قول الصحابي حجة، كان هذا من باب ضم دليل إلى دليل عند تعارض القياسين. وقد تقدم القول: هل يحكم بتعارض