غالبًا في حال هذيانه بما كان يعتاد النطق به في حال عقله، والألسنة لا تنطق بالكفر، ولا تتسامح به بوجه، ويشهد بذلك أمران:
أحدهما- أن السكران إنما ينطق في حال سكره بما اعتاد النطق به قبل ذلك، [فينطق كل إنسان في حال سكره بما كان يألفه].
الثاني- أن العادة ترشد غلى أن السكران لا يجري على لسانه أمر الردة والكفر بحال، وإنما ينطق بما في نفسه من الشهوة إلى الزنا وغيره من الفواحش.
الثاني: أن حد الردة عظيم، وهو إتلاف النفوس، فلم يتجاسروا عليه، مع إمكان أن يشرع زاجر دونه، وما ثبت للضرورة يقيد بقدرها.
الثالث: أن أثر الردة يسقط بالتوبة، وذلك إنما تعرض عليه بعد إفاقته، وهو بعد إفاقته لا يبقى على قوله، [فلو] رتب عليه حد الردة، لم يُحد بحال. فلهذه الأسباب، لم يترتب عليه حد الردة.
فإن قيل: شرط الاستدلال أن لا يخالف نصًا، وشرب الخمر قد جرى في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وضُرب الشارب بالجريد والنعال وأطراف الثياب. فإن كان ما جرى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[تعزيرًا]، فكيف صاروا إلى الحد؟ وإن كان حدًا، فكيف عدلوا عنه إلى حد آخر؟ وكلا الوجهين مخالف للنص.
وهذا السؤال سديد، وقد قال بعض الأصوليين: لم يكن فيه حد، وإنما جرى ذلك مجرى التعزير. ولما انتهى الأمر إلى زمان أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - (159/ ب) قدّر ذلك على طريق التعديل بأربعين، ولما انتهى الأمر إلى عمر