فمثال الأول: الخمر. ومثال الثاني: تناول القاذوات المحرمات، فلا يفتقر فيها إلى وضع حدود زاجرة، لحصول المقصود بمحض التحريم، فلا حاجة إلى وضع الحدود. وأما ما يتعلق بشرب اليسير، فسر وضع الحد بالإضافة إليه، وإن كان لا يعظم التشوف إليه، أنه لا يتوصل إلى الكثير منها إلا بتعاطي القليل، فإنها لا تراد على مرارتها لعينها، وإنما تقصد لما لا يحصل إلا عند الإكثار، فكان القليل داعيًا إلى الكثير.
ومعنى تخيل ورود هذه المسألة على القاعدة اعتراضًا، أنا لما ربطنا الحدود بما يشتد التشوف إليه، [وتعظم] الرغبة فيه، تخيل متخيل أن هذا المعنى غير صحيح، لثبوت الحد متعلقًا بشرب القليل من الخمر. وهذا ليس بنقضٍ، وإنما هو تعلق بالعكس، إذ [قد ثبت] الحكم مع فقدان العلة. والكلام في اشتراط العكس بطول، وسيأتي في موضعه، إن شاء الله تعالى.
ولكن القدر المختص بما نحن فيه، أنه لم ينقطع التشوف عن القليل بالكلية، وليست النفوس منزجرة عنه بمحض التحريم، بل تتشوف النفوس إليه تشوفًا كثيرًا، لما يترتب عليه، والشيء تعظم الرغبة إليه، لكونه يحصل منه الغرض، وتارة يشتد الحرص عليه، لكونه يفضي إلى ما يترتب الغرض عليه