فنقول: إن كانت العلة حكمًا شرعيًا، فلا خفاء بعدم اشتراط العلم في ذلك. ومثاله: إذا قضينا بأن النجاسة علة منع البيع، ثم غلب على ظننا أن أزبال الدواب نجسة، فلابد (62/ ب) من القضاء بمنع البيع، كما أنه لابد من القضاء بمنع الاستصحاب في الصلاة، فإن النجاسة يمتنع استصحابها في الصلاة، فإذًا ظن التنجيس يتنزل منزلة علمه، ولا ذاهب من الأمة إلى جواز الاستصحاب مع ظن التنجيس. وهذا عندنا مما لا يتجه فيه خلاف.
وإن كانت العلة أمرًا وجوديًا، ككون الزعفران غير مطعوم، حتى يجوز بيعه قبل قبضه، فإن العلة عندنا في تحريم المبيع قبل القبض، كون المبيع طعامًا غير مقبوض لمشتريه. فإذا غلب على ظننا أن الزعفران غير مطعوم، لم يمتنع بيعه قبل قبضه. وكذلك إذا جعل الشافعي الطعم علة تحريم التفاضل، ثم ظن أن الزعفران مطعوم، فلا سبيل إلى تجويز التفاضل فيه.
والسبب في ذلك، أنه إذا ظن وجود المناط، [ظن] ثبوت الحكم المرتبط به، لما تقرر [ما] بين الحكم والمناط من الارتباط. وإذا ظن وجود أحد المرتبطين، ظن وجود الآخر، فكيف يجوز الإقدام على التفاضل مع ظن التحريم؟ وقد قررنا أن كثيرًا من أحكام الفرع لا يشترط فيها العلم بحال وكذلك إذا تغير الماء بالنجاسة، ثم زال التغير بطول المكث وهبوب الريح، طهر الماء، لتحقق الزوال، وإن تغير بالزعفران، لم يطهر. وكأنه في معنى الساتر. فإذا تغير بالتراب وحصل التردد، هل هو مزيل كهبوب الريح، أو ساتر كالزعفران؟ [فمن] غلب على ظنه أنه ساتر، فقد ظن بقاء النجاسة، فكيف يجوز الإقدام على الاستعمال؟ ومن غلب على ظنه أنه مزيل، فلا نجاسة.