ذلك يظهر الفرق للفطن بين تعليل الحكم وتعليل السبب، فإن تعليل الحكم يقتضي تعدية الحكم من محله، وتقريره في محله. فإنا نقول: حرم الشرع شرب الخمر، والخمر محل الحكم، ولكن يطلب مناط الحكم وعلته، فإذا برزت لنا الشدة، عديناها إلى النبيذ، فضممنا النبيذ إلى الخمر في التحريم، ولم يغير في الخمر [شيئًا].
أما ههنا إذا قلنا: علق الشرع الرجم بالزنا لعلة كذا، فيلحق به غير الزنا، ناقض آخر الكلام أوله، لأن الزنا إن كان مناطا [للحكم] من حيث إنه زنا، فإذا ألحقنا به شيئا ليس بزنا، فقد أخرجنا الزنا عن كونه مناطا، فكيف يعلل كونه مناطا بما يخرجه عن كونه مناطًا؟ والتعليل تقرير لا تغيير، ومن ضرورة تعليل الأسباب تغييرها، فإنك إذا اعترفت بكونه سببًا، ثم أثبت ذلك الحكم بعينه عند فقدان ذلك السبب، فقد نقضت قولك الأول: إنه سبب.
فإذا ألحقنا الأكل بالوقاع، بان لنا بالآخرة أن الوقاع لم يكن هو السبب، بل معنى أعم منه، وهو الإفطار، وإنما يكون هذا تعليلا، لو بقي الجماع مناطًا، وانضم إليه مناط آخر شاركه في العلة، كما بقي الخمر محلًا للتحريم، وانضم إليه محل آخر، وهو النبيذ، فلم يخرج المحل الذي طلبنا علة حكمه عن كونه مناطًا، فكيف يحلل الجماع بما يخرجه عن كونه مناطا؟ بل وجب إضافة الحكم إلى معنى، حتى يصير الجماع حشوًا زائدًا. (60/ ب) وكذلك يصير وصف الزنا حشوًا، وهو إيلاج فرج في فرج.
قال أبو حامد: فإذًا مهما فسر مذهبهم على هذا الوجه، اقتضى الإنصاف المساعدة عليه. هذا تمام كلامه. وهو على التحقيق اعتراف بامتناع إجراء القياس في الأسباب، لا لخصوصٍ في التعبد، ولا لتعذر فهم المعنى، ولكن لاستحالة وجدان الأصل عند تعليل السبب، فيفوت القياس، لفوات بعض