وإنما [يحترزون] عن الكثير منها. فقال: قد أدرك العقلاء فرقًا في المسامحة (73/ ب) بين القليل والكثير، وإن كان يشق الوقوف على ضبط القليل، كما فرق بين التافه والنفيس في السرقة، وبين الغني والفقير في أموال الزكاة، ولكن لا ينص العقل على المقدار المرفق، لاختلاف أحوال الناس في ذلك، فجاءت الشريعة ببيان النصب، فتبين العقلاء أن ذلك غنيً شرعًا، ثم قاس الناس بعد فهم هذا المعنى. وكذلك القول في نصاب السرقة. وسيأتي تمام بيانه بعد هذا.

فكذلك [وقعت] المسامحة في يسير النجاسة، [وتحاشت] النفوس كثيرها، وورد الشرع بالعفو عن محل [النجو با] لاستجمار، فعرف أن هذا المقدار يسير في النجاسة، فقاس عليه سائر النجاسات. والشافعي رأى [أن] العفو كان بسبب التكرار، وتعذر الاحتراز، فرأى ذلك رخصة. وأبو حنيفة لا يعترف بالرخصة على حال. وعلى هذا أسقط أبو حنيفة وجوب استعمال الأحجار، نظرًا منه إلى قلة النجاسة، وأنها ليست في محل الضيق، فلا نقض على الحقيقة.

وأما قوله: مع قطع كل منصفٍ [بأن] الذين عاصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهموا التخفيف في نجاسة البلوى. وأبو حنيفة ينكر هذا الإجماع، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015