وهذا التفصيل من أدق تفريع، وهو أن يكون للشيء جهات تقتضي كل واحدة حكما في جميع الصور على التناقض، فيرجح العالم بعض تلك الجهات بالإضافة إلى بعض الأحكام، ويرجح الجهة الأخرى بالإضافة إلى غير تلك الأحكام. وكذلك فعل ابن القاسم في هذه المسألة، رجح جهة كونه غير محتاج إلى الانتفاع بنصيب الشريك عند عدم العلم. وهذا مناسب للتخفيف عنه، ورجح الالتفات إلى عدم اختصاص [الانتفاع عند] العدوان، وهو مناسب للضمان. فليس هذا الاستحسان خروجًا عن الأدلة بحال. [بل هو] تمسك بنوع من المصالح في مقابلة أقيسة كلية.
وقد قال [مالك] رحمه الله بالاستحسان في مسألة أخرى، قال ابن القاسم: قلت لمالك: لم قضيتم بالشاهد واليمين في جراح العمد وليست بمال؟ قال: إنه لشيء استحسناه، وما سمعت [من مالك] فيه شيئا. ولم يزد على ذلك، ولم يبين وجه الاستحسان [فيه]. ولكن الظاهر أنه رحمه الله ألحق ذلك بالشهادة في الأموال بالقياس، فإن سر الاكتفاء بالشاهد واليمين في الأموال، تعذر الاحتراز بكمال البينة [عند] كثرة وقوع المعاملات، مع تعذر الاستظهار بشهادة البينات، وجراح العمد أشد خفاء من المعاملات المالية (71/ ب)، فهي بالاكتفاء بالشاهد واليمين أولى.