وأيضًا فإنا نعلم قطعًا من الصحابة [- رضي الله عنهم -] أنهم حصروا نظرهم في الوقائع التي لا نصوص فيها في الاستنباط، والرد على ما فهموه من [الأصول] الثابتة، ولم يقل أحد منهم: إني حكمت بكذا، لأن طبعي مال إليه، وأنه لموافق لمحبتي ولرضاي. ولو قال ذلك، لاشتد عليه النكير، وقيل له: من أين لك أن تحكم على عباد الله بمحض ميل نفسك وهوى قلبك؟ هذا مقطوع ببطلانه لا شك فيه، بل كانوا يتناظرون، ويتشاورون، ويعترض بعضهم على مأخذ بعض، وينحصرون إلى ضوابط الشرع.
ولو رجع الحكم إلى الاستحسان، لم يكن للمناظرة مجال، فإن الناس تختلف أهواؤهم وأغراضهم في الأطعمة والأشربة، ولا يناظر بعضهم بعضا على أن هذا: [لم] كان عندك أطيب من هذا؟ لبناء الأمر على الأغراض. وليس الحكم في الشريعة من هذا [القبيل] على حال.
وقد تمسكوا بشبه قررت لهم، وما أظن ذلك إلا تكلفًا من المصنفين، وتقرير مذاهب واعتراضات عليها، وإلا فلا شك أن أحدًا من العلماء لا [يجيز] الاستناد في الحكم إلى مثل هذا.
فلنذكر ما ذكروه، وقالوا: قال الله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون