بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر}. ولم يكن ذلك مانعا من ورود النسخ، فكذلك يصح أن يحكم بالاجتهاد، وإن أفضى ذلك إلى التنفير. فلا يلتفت إلى شيء من هذه الأوهام. ولا وهم بعد نصب الأدلة القاطعة.
احتجوا بقوله تعالى: {[قال] الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءانٍ غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي}. قالوا: فهذا يدل على أنه لا يحكم بالاجتهاد. وهذا غير صالح للاستدلال من أوجه:
أحدها- أن هذا إنما هو أمر يختص [بتغيير] القرآن، كالإتيان بقرآن آخر. وهذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه [وتعالى]، وبذلك يتحقق كونه معجزًا. فأين هذا من جواز الحكم بالاجتهاد وامتناعه؟
الثاني- إن قوله: {إن أتبع إلا ما يوحى إلي}، كلام غايته أن يكون عامًا، فيخصصه بما لا يقبل الاجتهاد [من الأحكام، ولا يكون طريق ثبوته إلا التوقيف.
الثالث- أنا وإن جوزنا له الاجتهاد]، فلا يكون ذلك من تلقاء نفسه، بل لا يكون ذلك إلا بوحي وتوقيف، ويندرج تحت قوله: {إن (43/ ب) أتبع إلا ما يوحى إلي}. وإذا حكم بالاجتهاد، فقد حكم [بما أوحي إليه، وقد كنا قدمنا أن الحكم بالاجتهاد، حكم] بالتوقيف المحض.