أن الترجيح ينشأ من تغليب الأمارات، لا يصح على الأصل الذي قرره في المواضع التي ذكرناها.
فإن قيل: إذا كان الخبر المعين مثلا مظنون، وعارضه قياس مظنون أيضًا، كيف الحكم في ذلك؟ فإذا قضيتم بأن الخبر المعين مقدم، أتقطعون بذلك أم تظنون؟ فإن قطعتم بالتقديم، وهو كلام الأصوليين، كان ذلك مشكلًا، فإن ثبوت الخبر مظنون، والعمل به مظنون، فكيف تظنون استناد العمل إليه إذا كان مفردًا، وتقطعون بتقديمه على معارضه؟ وكيف يتصور هذا أن يكون الشيء إذا كان منفردًا ظن استناده إلى الشريعة، فإذا عارضه غيره، قطع بوجوب اعتماده، مع [كوننا] نظن ثبوته؟ هذا محال لا خفاء به.
فإن قيل: فما الذي ترون في ذلك؟ قلنا: هذه المسألة عندنا تنبني على القول بأن كل مجتهد كانت مفردة، [وقد] يقطعون بالتقديم عند المعارضة، وقد يظنون (37/ أ) ذلك ظنًا، على حسب ما يتأتى لهم وجدان الإجماع على التقديم، على حسب ما يدعون. وقد [أيضًا] يظنون العمل [عند الأمارة المنفردة، فإنه ليس كل أمارة يقطعون بوجوب العمل عندها]، فجرى الأمر في الإفراد والمعارضة عندهم على وجه واحد.
فأما المصير إلى أن الأمارة إذا انفردت، يظن صحة استناد الحكم إليها، فإذا عارضتها أخرى، قطع بوجوب تقديمها عليها، ووجوب العمل بها، فهذا محال.