أنهم (25/ ب) ما كانوا يبغون العلم والتبيين في كل مسألة فروعية، وإنما كان أقصى نظرهم أن يظنوا أن الشارع قصد إلى نصب شيء علمًا. وقد بينا فقدان التعبدات في أبواب القياس، (33/ ب) إلا أن يقصد الشارع تخصيص صورة، فينص عليها، كما قال لأبي بردة بن نيار: (تجزئك ولا تجزئ عن أحدٍ بعدك). فمتى ثبتت غلبة الظن بكون الوصف منصوب الشارع، لم يكن بد من اتباعه، وعدم الاقتصار على محل دون محل [مما وجد] فيه العلم. ولكن الطريق المفضي إلى حصول غلبة الظن بنصب العلم لم يصادف، ولم يستعمل المخيل لعينه، ولكن لما استقرئت الشريعة وجدت تلتفت إلى المصالح وردًا وصدرًا، صح لنا اتباع المخيل في التعليل. وكذلك ما يظهر من ألفاظ الشارع الإيماء إلى التعليل به، فهو بذلك أولى.
والحاصل من تصرف الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء، أن الشارع إذا أناط الأحكام بالأوصاف، اتبع الحكم عموم الوصف، ولم يقتصر على خصوص المحل. والأمر الغامض في الباب معرفة المناط. وإذا صح، وجب الاتباع حتى يمنع مانع، ولم يكونوا يقصرون قصر فهم على مغلب دون مغلب.