والبحث عن الأسباب المرشدة للفرق بين الاعتقاد والعلم مهم جدا. وقد سلك الإمام في ذلك طرقا:
أحدها- أنه قال: لا يخفى الفرق بين العلم والجهل. والمماثل للمخالف مخالف. هذا مقصوده في قوله: إن الاعتقاد يماثل الجهل، والجهل مخالف للعلم. وصدق في قوله: المماثل للمخالف مخالف.
وأما قضاؤه بأن الاعتقاد الصحيح من جنس الجهل، فكلام مبهم، وقول مظلم، فإنه إن أراد به أنه من جنسه، باعتبار أعم أوصافه، فالعلم أيضا من جنس الجهل. فإنه معنى من المعاني. وأن أراد أنه من جنسه، من جهته الخاصة، وهو الذي قصدها- والله أعلم- ولذلك أتى بالمثال، وهو قوله: إذا اعتقد المعتقد أن زيدا في الدار، ولم يكن فيها، ثم استمر العقد إلى أن دخلها زيد، فحال المعتقد لا يختلف، وإن اختلف المعتقد. فقد قضى باستواء حال الجاهل والمعتقد اعتقادا صحيحا. ولو كانت المعاني القائمة مختلفة، لما تصور استواء حال من قامت به، وهذا القول خطأ بين. وبيانه من وجهين:
أحدهما- أن المثلين هما اللذان يقوم أحدهما مقام الآخر ويسد مسده، ولو كان الاعتقاد صحيح مماثلا للجهل، للزم أن يكون المعتقد اعتقادا صحيحا جاهلا، حتى يعتقد المعتقد على خلاف ما هو به، فيكون اعتقاده صحيحا وباطلان معا.