وأما أحكام الشرع، فتثبت بكل ما دل على رضا الشارع وإرادته، من قرينة أو دلالة، وإن لم يكن لفظ. بدليل أنه لو بيع مال التاجر [بمشهد] منه بأضعاف ثمنه، [فاستبشر] وظهر أثر الفرح عليه، لم ينعقد البيع إلا بتلفظه بإذن سابق، أو بإجازة لاحقة عند أبي حنيفة. ولو جرى بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلٌ وسكت عليه، دل سكوته على رضاه، وثبت الحكم به، فكيف يتساويان؟ بل ضيق الشرع تصرفات العباد حتى لم تحصل أحكامها بكل لفظ، بل ببعض الألفاظ؛ فإنه لو قال الزوج: فسخت النكاح، وقطعت علاقة الحل، ورفعت الزوجية بيني وبين زوجتي، لم يقع الطلاق، ما لم ينو الطلاق، فإن تلفظ بالطلاق وقع، وإن نوى غير الطلاق. فإذا لم تحصل الأحكام بجميع الألفاظ، بل ببعضها، فكيف يحصل بغير لفظ [مما] يدل على الرضا؟ .
وهذا الكلام الذي قاله أولًا فيه تناقض، فإنه قال: الأمة مجمعة على الفرق، إذ تجب التسوية في الحكم، إذا قال: حرمت الخمر لشدتها، فقيسوا